فصل: الثالث: الصيغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.القابل:

وهي المرأة الرشيدة إذا كانت صحيحة طائعة غير مديانة، فإن كانت سفيهة وهي في ولاية وقع الطلاق ورد المال، وإن لم تكن في ولاية فثلاثة عدم الإمضاء، قاله أصبغ.
قال ابن اللباد: وهو المعروف وفي المتيطية وعليه العمل.
وقال ابن القاسم: قد قال مالك في الصغيرة يدخل بها: يمضي بخلع المثل، وإذا أجازه على الصغيرة ففي البالغ أولى، وقال سحنون في البالغ تفتدي قبل البناء: ذلك جائز، وصلح المريضة يمضي إن أخذ مقدار ميراثه فأقل، وإن أخذ أكثر فأربعة: الإمضاء إن حمله الثلث، والإمضاء بخلع المثل والجواز مطلقًا.
قال ابن رشد: وهو ظاهر المدونة والموازية.
وقال ابن نافع: يمضي إن أخذ مقدار ميراثه، وهو قول ابن القاسم، ثم هل يعتبر قدر ميراثه يوم الموت أو يوم الخلع، قولان، ثم إن قلنا: يوم الخلع، فيعجل له، وإن قلنا: يوم الموت، فيوقف، فإن صحت أخذه، وإن ماتت أخذ منه قدر ميراثه، وإذا خالعت لضرر وقع الطلاق ورد المال وخلع المديانة يوقف على إجازة الغرماء، وقيل: يجوز، وخلع الأب على الصغيرة بجميع المهر جائز، وكذلك البكر البالغ، وفي خلع الأب عن الثيب في حجره قولان، وفي خلع الوصي عن البالغ برضاها روايتان، ولم يجز في المدونة خلعه عن غير البالغ. وروى ابن نافع الجواز إذا كان نظرًا وأنكرها سحنون، وأجاز له ذلك في الثيب برضاها في رواية ابن القاسم، وروى ابن القاسم المنع أيضًا.

.العوض:

وكل ما صح تملكه جاز الخلع به، وما ليس فليس، ويقع الطلاق ولا شيء له على المنصوص؟، وفي الخلع بالغرر ثلاثة: المنع، والكراهة، والجواز، وهو المشهور.

.المعوض:

وشرطه أن يكون مملوكًا للزوج، فلا يصح خلع البائن والمختلعة والمرتدة، ويصح خلع الرجعية.

.الصيغة:

والألفاظ المستعملة في ذلك الخلع والصلح والإبراء والافتداء، ابن رشد، الخلع بذل جميع المال على الطلاق، والصلح بذل بعض، والافتداء بذل جميع الحق الذي أعطاها، والمباراة ترك ما لها عليه وترك كل واحد منهما ما له على صاحبه على الطلاق. ثم الصيغة إذا صدرت من الموجب مطلقة فلابد من القبول في المجلس وإن صدرت معلقة لم تفتقر إلى القبول في المجلس، فلو قال: طلقتك ثلاثًا على ألف، فقالت: قبلت واحدة على الثلاث، لم يقع شيء، ولو قبلت واحدة على الألف وقعت، ولو قال: متى أعطتني ألفًا فأنت طالق لزمه الطلاق متى أعطته، ولا يفتقر إلى قبولها وإعطائها في المجلس، وليس له رجوع، إلا أن يظهر من قصده إرادة التعجيل في المجلس.

.اللواحق:

وهب هاهنا التنازع، فإذا قال: طلقتك على عشرة، فقالت: بل مجانًا، فالقول قولها مع يمينها على المشهور.
قال ابن الماجشون: يتحالفان وتعود زوجة، ولو اعترف بالعوض واختلف في جنسه أو في قدره، فالقول قولها مع يمينها.

.الضرب الثاني: الطلاق على غير عوض:

.حقيقته:

إصدار لفظ يقتضي حل العصمة من الجانبين.

.حكمه:

يختلف باختلاف عدده وزمن صدوره، فأما عدده فالواحدة الرجعية جائزة، وكذلك الخلع عند مالك.
وقال ابن القصار: هو مكروه، والطلقتان مكروهتان، والثلاث حرام. وأما زمان صدوره، فإن طلقها واحدة في طهر لم يمسها فيه، فهو جائز، وكذلك إن كانت عدتها بالأشهر، وإن طلقها في طهر مسها فيه، فهو مكروه، ولا يجبر على الرجعة على الأصح، وإن طلقها في الحيض وهي مدخول بها غير حامل، ولم يكن باختياره فهو حرام، فإن كانت غير مدخول بها، فثلاثة: المنع لمالك، والجواز لابن القاسم ومالك أيضًا، والكراهة لأشهب، ولو كانت حاملاً، فقال ابن شعبان: ذلك جائز، وأجازه القاضي أبو محمد على غير المدخول بها، ولو كان باختيارها كالخلع، فالمشهور المنع، قيل: لأنه تطويل في العدة برضاها، وقيل: يجوز لضرورة الافتداء، ويلزم على الأول جواز تطليقها في الحيض برضاها، وعلى الثاني أن يمنع اختلاع الأجنبي. ثم إذا أوقعه في الحيض ابتداء أو حنثا، وهو غير بائن أجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة في قول مالك وأصحابه، خلا أشهب، فإنه قال: إذا دخلت في الطهر الذي يباح له فيه الطلاق ابتداء لم يجبر، فإن أبى هدد، ثم سجن ثم ضرب بالسوط، فإن أبى رجعها الحاكم، ويكون ذلك قريبًا بعضه من بعض، قاله أشهب.
وقال ابن القاسم في العتبية: إن أبى حكم عليه بالرجعة، ولم يذكر سجنًا ولا ضربًا.

.أركانه:

ثلاثة: المطلق، والمطلقة، والصيغة:

.الأول: المطلق:

يشترط في لزوم طلاقه أربعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والطوع، فلا يلزم طلاق الكافر على المشهور.
وقال المغيرة: يلزم ويحكم عليه به، وإن أسلم احتسب به، ولا ينفذ من الصبي وينفذ من البالغ السفيه، وفيمن ناهز البلوغ قولان، المشهور أنه لا ينفذ ولا من المجنون، وينفذ من السكران المميز اتفاقًا، وكذلك المغمور على المشهور، ونزل الباجي الخلاف على المختلط الذي معه بقية من عقله.
قال: وأما الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الرجل من المرأة، فلا خلاف أنه كالمجنون إلا في قضاء الصلوات ولا ينفذ طلاق المكره خلافًا لأبي حنيفة، وقال بعض المتأخرين: إن ترك التورية مع علمه بها واعترف أنه لم يدهش عنها لزمه الطلاق، ولو كان الإكراه شرعيًا مثل أن يحلف في نصف عبده لا باعه فأعتق شريكه نصفه فقوم عليه، فقال المغيرة: لا يحنث، وقيل: يحنث، إلا أن ينوي إلا أن يغلب، والتخويف بالسجن والضرب إكراه.
قال اللخمي: السجن إكراه في ذوي الأقدار دون غيره، إن أن يهدد بطول الإقامة فيه.
قال غيره: والصفع لذي المروءة في الملأ إكراه، والتهديد بقتل الولد إكراه، وبقتل الأجنبي فيه قولان، وفي التخويف بالمال ثلاثة يفرق في الثالث، فإن كان كثيرًا فهو إكراه، وإذا تكاملت الشروط فطلق وهو مريض نفذ طلاقه، لكن لا يقطع ذلك ميراث زوجته، وإن كان بائنًا ولو تزوجت غيره إذا كان مخوفًا، فإن كان غير مخوف فلا ترثه، وإن كان مخوفًا وطلق في آخره أو في أوله أو أعقبه الموت ورثته، ولو طال مرضه بعد الطلاق فظاهر المذهب أنها ترثه لقوله فيها: إذا تزوجت أزواجًا فطلقها كل واحد في المرض ورثت جميعهم.
وقال ابن الماجشون: السل والربع والطحال والبواسير ما تطاول منها يجري بعد تطاوله مجرى الصحة، فإن كان الموت قبل المطاولة ورثته، وكان فعله من الثلث، وإذا كان للمرأة سبب في الطلاق كالمخيرة والمملكة والحالف في الصحة فتحنثه في المرض، فقول ابن القاسم وجوب الميراث للجميع، وكذلك المختلعة على المشهور، وفي المنتقى إذا حلف بطلاقها لا دخلت هذه الدار، فمرض فدخلتها قاصدة لطلاقه، فالمشهور من مذهب الأصحاب أنها ترثه، وروى ابن زياد أنها لا ترثه، وإذا جعل الزوج ما بيده من الطلاق بيد غيره جاز، ثم إن كان ذلك الجعل على سبيل الوكالة فله عزله ما لم يقع، ولزمه ما أوقعه عليه إن وكله على ذلك معينًا، وإن فوق إليه في جميع أموره ولم يسم له طلاق زوجته فظاهر ما في الجواهر أن له ذلك، والذي حكاه ابن أبي زيد أنه معزول عرفًا عن طلاق الزوجة، وبيع دار السكنى، وتزويج البنت، وعتق العبد، وإن جعله بيده على سبيل التمليك، فليس له عزله، ثم إن كان حاضرًا في المجلس فله أن يمضي أو يرد، وإن تفرقا من المجلس ففي بقائه بيده قولان، وإن جعله بيد الزوجة على سبيل التوكيل، فله عزلها ما لم توقع، وفيه نظر، وإن جعله على سبيل التمليك أو التخيير فليس له عزلها. ولا يشترط في المملكة المخيرة البلوغ، لكن القضاء لا يصح منها في حال صغرها.
قال ابن القاسم: إن بلغت حد الوطء فاختارت نفسها فهو طلاق، وروى عنه عيسى أنها إذا بلغت مبلغًا تعرف ما جعل إليها ويوطأ مثلها، فذلك لازم وصيغة التمليك أمرك بيدك، وملكتك نفسك، ونحو ذلك، وصيغة التخيير: اختاريني واختاري نفسك، ثم إن كان لفظ الصيغة نصًا في عدد وفي وقت القضاء عمل بمقتضاه، وإن كان محتملاً وفسره بأظهر محامله قبل قبوله وإن فسره بالمرجوح قبل قوله، واستظهر عليه باليمين وإن فسره بما لا يحتمله اللفظ لم يقبل قوله، ومدلول التمليك المطلق أقل الطلاق، ولذلك تكون له مناكرتها إذا قضت بأكثر بشروط ثلاثة: أن يكون تمليكه على غير شرط، وأن يدعي أنه نوى ذلك عند التمليك، وأن يناكرها في الحال، ومدلول التخيير المطلق الثلاث في المدخول بها، وإن نوى أقل على المشهور، وقيل: هو كالتمليك وعلى المشهور، فإن أوقعت واحدة لم تقع، ويكون ذلك قطعًا لخيارها، قاله ابن القاسم، ومالك.
وقال أشهب: لها استئناف القضاء.
وقال ابن الماجشون: إذا قضت بواحدة فهي البتة، ومحمله في غير المدخول بها على الواحدة إذا نوى ذلك أو نوته وإلا فالثلاث ثم هاتان الصيغتان إن صدرتا معلقتين بشرط لم تفتقر إلى الجواب في المجلس، ثم ذلك الشرط إن كان محقق الوقوع مثل إن مضت سنة فأمرك بيدك، فيكون أمرها بيدها الآن، وإن كان جائز الوقوع كان بيدها إذا وجد وإن صدرت مطلقة وكانت غائبة وأرسل إليها بذلك، ولم تجب وفارقها الرسول فذلك بيدها ما لم يطل الزمان أو يتبين من حالها أنها راضية بالزوج قاله ذلك، وإن كانت حاضرة ونص على بقائه بيدها بعد المجلس أو على أنه لا يبقى بعده عمل بمقتضاه وإن أطلق ولم يأت بلفظ يدل على التأخير في بقائه بيدها بعد المجلس فروايتان، والذي أخذ به ابن القاسم الإمضاء بعده، وإذا طال المجلس طولاً يخرج على الجواب فهو كالافتراق على المنصوص.

.الثاني: المطلقة:

يشترط أن يملك الزوج عصمتها حال الطلاق تحقيقًا أو تقديرًا، فلو قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم تزوجها فدخلت، لم تطلق إلا أن ينوي إن تزوجتك، ولو قال: إن تزوجتك فأنت طالق، طلقت عقيب العقد على المشهور، وقال المخزومي وابن عبد الحكم: لا تطلق، ورواه ابن وهب والمخزومي عن مالك، وأفتى به ابن القاسم صاحب الشرطة، وهو قول الشافعي، وعلى المشهور فعليه نصف الصداق، فإن دخل قبل النظر فيه فصداق واحد على المشهور، وقيل: صداق ونصفه.

.الثالث: الصيغة:

وإذا صدر اللفظ اللساني مقارنًا للكلام النفساني لزم الطلاق اتفاقًا، وإن صدر اللفظ وحده ففي اللزوم قولان.
قال اللخمي: والصحيح من المذهب أن اللفظ بغير نية لا يلزم ولو أوقع الطلاق بقلبه، ففي اللزوم روايتان.
قال أبو عمران: والمشهور عدم اللزوم. وفي المتيطية: المشهور اللزوم، ثم الصيغة ضربان: صريح وكناية، وما ليس بصريح ولا كناية، والكناية ضربان: ظاهر ومحتمل، فالصريح ما فيه الطاء واللام والقاف. وزاد ابن القصار: سرحتك، وفارقتك، وأنت حرام، وبته، وبتله، والكناية الظاهرة ما دل عرفًا على الطلاق، كالخمسة المتقدمة، وخليتك، وأنت خلية، وبرية، وحبلك على غاربك، وكالميتة، والدم، وكلحم الخنزير، ووهبتك، ورددتك إلى أهلك، واعتدي، وهذه الكنايات كالصريح في أنه لا يقبل قوله أنه أراد غير الطلاق.
تنبيه:
أهل العصر إذا رأوا المسألة في المدونة من هذه المسائل أفتوا بها وقالوا: مذهب مالك فيها كذا، وما قالوه صحيح، لكن ما أفتى به مالك بناء على عرف تقرر عنده في هذه الألفاظ، فلا يحل أن يفتي بذلك إلا بعد أن يعلم أن ذلك العرف باق، وكذلك كان شيخنا شهاب الدين رحمه الله يقول: والمحتمل مثل: اذهبي، وانصرفي، واعزبي، وأنت حرة، والحقي بأهلك، أو لست لي بامرأة، ولا نكاح بيني وبينك، وقوله مقبول إن قال: أردت غير الطلاق أو الطلاق، لكن أردت واحدة وما ليس بصريح ولا كناية مثل اسقني الماء، فإن ذكر أنه أراد الطلاق فهو طلاق على المشهور.

.اللواحق:

وهي هنا قيام المرأة بالإعسار بالنفقة أو بالكسوة وبالضرر والغيبة وامتناع الزوج من الوطء والمتعة.

.الأول: الإعسار بالنفقة وبالكسوة:

ويثبت للمرأة القيام بالطلاق إذا عجز الزوج عن النفقة الحاضرة لا الماضية ما لم تكن عرفت قدره أو عرفت أنه من السؤال.
قال أشهب: ولو عجز عن الكسوة خاصة طلقت عليه.
قال اللخمي: وينبغي أن يطلق إذا عجز عن الغطاء والوطاء، وحيث قلنا بالتطليق، فذلك إذا عجز عن ذلك جملة، وأما إذا قدر على قوتها دون خادمها ولو من شعير غير مأدوم يومًا بيوم، وعلى ما يواري عورتها ولو من غليظ الكتان لم تطلق، وإن كانت ذات شرف وغناء، قاله مالك، فإن ادعى الزوج العسر أثبت ذلك، فإن وافقته على دعواه ضرب له أجل رجاء يسره على القول المعمول به، وقيل لها أن تطلق نفسها من غير أجل، وإن أكذبته حلف أنه لا يملك مالاً ظاهرًا ولا باطنًا، وضرب له أجلاً.
قال في المدونة: والتلوم يختلف فيمن يرجى له ومن لا يرجى له.
قال مالك: والأجل اليوم ونحوه ما لا يضر بها الجوع فيه، وعنه ثلاثة الأيام ابن المواز الذي عليه أصحاب مالك الشهر.
قال بعض الفقهاء: ويؤجل في الكسوة دون أجل النفقة كالثلاثة أيام ونحوها، وقيل: خمسة عشر إلى الشهر، وهذه الأقوال لا مستند لها إلا مجرد الاجتهاد، فينبغي للحاكم أن يعمل في ذلك بما يراه مصلحة في حق الزوجين، ولو قامت والزوج غائب فإن كان له مال يعد فيه بنفقتها فرض لها الحاكم نفقتها فيه، وإن لم يكن له مال فلها القيام بالطلاق عند أكثر المتأخرين، وهو أصل المذهب.
وقال اللخمي وغيره: ليس لها ذلك؛ لأن الغائب لم يستوف حجته، وإذا فرعنا على الأول فإن الطلاق يكلفها إثبات الزوجية والغيبية واتصالها وأنهم ما علموه ترك لها نفقة ولا بعث لها بشيء فوصلها إلى آخر الفصول التي جرت العادة بها، ثم الغيبة إن كانت قريبة أعذر إليه وإن كانت بعيدة أو كان غير معلوم المكان أجلها القاضي بحسب ما يراه، وذكر المتيطي في تسجيله في التأجيل خمسة وأربعين يومًا، فإذا انقضى الأجل استظهر عليها باليمين ثم طلقها عليه.

.الثاني: الضرر:

وإذا قامت تشكو الضرر، فإن أثبتته ففي وثائق ابن الهندي لها تطليق نفسها، وإن لم يشهد بتكرر الضرر وقيل: حتى يتبين تكرره ويطلقها القاضي عليه. وفي العتبية: من مثل بامرأته طلقت عليه، وذلك في المثلة البينة يأتيها متعمدًا مثل فقء العين وقطع اليد وشبه ذلك.
وقال اللخمي: إن انزجر بالقصاص لم تطلق عليه، وإن كان شريرًا يخاف عليها منه إذا اقتضت منه طلقت، ولو قال: فعلته خطأ، وقالت: بل عمدًا، فرجع سحنون إلى أن القول قولها.
وقال اللخمي: إن كان شريرًا أو فعل ذلك بالحديد أو ما يقوم مقامه بما يقوم الدليل فيه أنه فعله عمدًا، فالقول قولها، وإن لم يثبت الضرر نهى عنها، فإن تكررت شكواها أمره أن يسكنها مع قوم صالحين وأمروا بتفقد خبرها، ثم إن ظهر منه ما يوجب أَدَبه أَدَّبه وإن رأى إسكانهما مع أمينة فقولان، ثم إذا قلنا بإسكان أمينة فقال بعضهم: يقبل قولها، ويقضي به عليهما، وقيل: حتى يتفق الزوجان على أن قولها مقبول عليهما.
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: على القاضي أن يعمل بقول الأمين، وإن كانت امرأة إذا اتفقا عليه ورضيا به وهي ضرورة، ولو كان الزوج صالحًا ودعت المرأة إلى الأمين لم تمكن من ذلك إلا أن يعلم الجيران شيئًا من ذلك ولو دعا الرجل إلى الأمين مكن من ذلك بأي وجه كان حكاه في الطرر، وإذا لم يرض القاضي الأمين أو لم ينكشف له حالهما وطال عليه تكررهما بعث إليهما حكمين ويكونان ذكرين حرين عدلين فقيهين حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فإن لم يجد بعثهما من غير أهلهما ويستحب أن يكونا من الجيران، وللزوجين ولمن يلي عليهما إقامتهما على الصفة المخصوصة، وليس للحاكم ولا لهما إقامة واحد.
قال اللخمي: فإن جهل وجعل ذلك إلى واحد عدل لم ينقض وهو قول عبد الملك وعلى الحكمين أن يجتهدا في الإصلاح وإلا نظرا، فإن كانت الإساءة منها ائتمناه عليها إن كان لا يتجاوز الحق فيها عند طلاقهما إلا أن يريد الزوج الفراق فيفرقان ولا يكون لها شيء من الصداق، وإن رأيا الإساءة منه فرقا بينهما دون إسقاط شيء من الصداق وإن كانت منهما أو أشكل أمرهما فرقا بينهما وأسقطا عنه نصف الصداق، وإن كان الظلم من أحدهما أكثر حكمًا بما يريانه.

.الثالث: الغيبة:

وإذا قامت بالفراق للغيبة لما يلحقها من الوحشة وعدم الإصابة، فإن كان معلوم المكان وكان في الإقامة معذورًا كالأسير فلا مقال لها إلا بعدم النفقة أو يكون لها شرط وينفق عليها من ماله إلا أن يموت أو ينقضي تعميره فتتزوج حينئذ ويقسم ماله، وهذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب، فإنه حكم له بحكم المفقود وإن كان مختارًا كتب السلطان إليه إما أن يقدم أو يحملها إليه أو يفارق أو يفارقها عليه لحقها في الإصابة.
قال مالك: فإن كان يبعث بالنفقة فالعام قريب وإن تعذرت الكتابة إليه فلها القيام بالفراق، وإن كانت الطريق مخوفة فلها حكم الأسير إلا أن يعلم أنه غير راغب في القدوم، فإن كان مفقودًا فلها القيام، ثم لفقده أربعة أحوال:
الحال الأول: أن يفقد في قتال المسلمين في الفتن.
فقال مالك: ليس في ذلك أجل، وتعتد زوجه بعد انفصال الصفين، وقاله ابن القاسم.
وقال ابن القاسم أيضًا: تتربص سنة ثم تعتد.
وقال أيضًا: العدة داخلة في السنة.
وقال في العتبية: ما قرب من الديار يتلوم لها بقدر انصراف من انصرف ثم تعتد وتتزوج وما بعد مثل إفريقية ونحوها تنتظر سنة.
وقال ابن المواز: أربعة أعوام كالمفقود.
الثاني: أن يفقد في قتال العدو، وفي المذهب أربعة كالأسير، قاله ابن القاسم، وكالقتيل وهو ظاهر رواية أشهب أنه يضرب لها سنة من وقت النظر لها فمحمل أمره على القتل وتلوم بالسنة لاحتمال حياته، وكالمفقود في المال والمقتول في الزوجة، وقيل: كفقيد أرض الإسلام.
الثالث: أن يفقد في بلاد العدو، وفي المذهب أربعة كالمفقود وكالأسير والتفرقة، فإن كان سفره في البحر فكالأسير، وإن كان في البر، وفقد قبل الوصول فكالمفقود والتفرقة أيضًا، فإن كان فقد قبل وصوله فكالمفقود بأرض الإسلام، وإن فقد بعد وصوله فكالأسير.
الرابع: أن يفقد بأرض الإسلام، فإن كان وجهته إلى بلد فيه الطاعون فمحمله على الموت، وإن كانت إلى غير ذلك وقامت المرأة تطلب الفراق كلفها القاضي إثبات الزوجية واتصالها إلى حين القيام وأنه غاب وانقطع خبره، فإذا ثبت ذلك عنده بحث عنه وكتب إلى المواضع التي جرت عادته بالخروج إليها وعمل في ذلك جهده، فإذا يئس من قدومه ضرب لها أربعة أعوام أجلاً إن كان حرًا وإن كان عبدًا فعامان وابتداء الأجل من يوم الإياس، قاله مالك، وقال أيضًا: من يوم الرفع، فإذا انقضى الأجل اعتدت عدة الوفاة، ثم تتزوج ولا يفتقر في ذلك إلى إذن السلطان ولها أخذ صداقها بعد الأجل المضروب إن حل أجله بعد يمين الاستبراء، وإن لم تحل لم تأخذه وإن كان لم يدخل بها فهل تأخذ جميعه أو نصفه ويبقى نصفه إلى انقضاء تعميره روايتان وإذا قلنا لها أخذ جميعه فعلمت حياته، فهل لها رد النصف لأنه طلاق قبل الدخول أو لا ترد شيئًا روايتان، وإذا كان له نسوة لم يقمن فضرب الأجل لهذه ضرب لجميعهن، قاله مالك، وقال أبو عمران: يضرب للثانية أجلاً من يوم الرفع من غير استئناف كشف وينبغي للإمام أن يجعل ماله بيد أمين يحفظه ويثمره ولو كانت النفقة عليه تعظم والبيع أصلح باعه عليه ويترك وديعته عند من أودعها إن كان أمينًا ويبقى المال بيد أمين إلى ثبوت موته أو انقضاء تعميره فيقسم بين ورثته يوم التمويت وقيل: يقسم بعد انقضاء أربعة أعوام، واختلف في حد التعمير على ستة، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: سبعون عامًا، وأفتى ابن زرب بخمسة وسبعين، وقال الباجي في مجالسه وبه القضاء، وروى ابن الماجشون الثمانون وبه أخذ ابن القاسم.
وقال ابن القاسم أيضًا: تسعون، وقال أشهب أيضًا: مائة.
قال ابن الماجشون: وإليه رجع مالك ومائة وعشرين، قاله ابن عبد الحكم، ولو غاب وهو ابن ثمانين عمر إلى التسعين وإن غاب وهو ابن تسعين عمر إلى المائة وابن مائة يتلوم عليه بالأعوام اليسيرة قيل: بعشرة، وقيل: بالعام والعامين، وابن مائة وعشرين يتلوم عليه بالعام ونحوه، والطريق إلى ذلك أن يشهد بمبلغ سنه يوم سفره إما بالعلم وإما بالحزر ويبني في ذلك على الأقل وإذا شهد بالحزر فلابد في ذلك من يمين الورثة ومتى قدم المفقود وزوجه في العدة أو بعد انقضائها وقبل التزويج بقيت زوجة وكذلك إن علمت حياته، وهذا هو المشهور.
وقال ابن نافع: إذا انقضت عدتها فلا سبيل له إليها، ولو تزوجت ولم يدخل بها الثاني فرجع مالك إلى أن المفقود أحق بها وبه القضاء، وإن دخل بها الثاني فهو أحق بها، وفي المنعي لها زوجها ثلاثة: الأول أحق بها وإن ولدت من الثاني، وهو المشهور والثاني أحق والتفرقة، فإن كان حكم بموته قاض فالثاني أحق، وإلا فالأول.